المهـــــابـيـــــــل

عجيب أمر معظم الناس في زماننا الذي ينتعش فيه الأوباش بكل سخف ، ويحتضر فيه الطيبون بدون أسف .. تجدهم حيناً يشكرون ويثنون على هذا ويهللون له ، في الصباحات والمساءات .. وأحياناً أخرى وبنفس الزمان وفي رحاب ذات المكان وربما بنفس اللسان ، تراهم ودون سبب يلعنونه ويشتمونه ويحقرونه ويصفونه بأرذل الصفات .. وثالثة تشهدهم بكل السذج الممزوج بالعُتهِ يحيلون المتملق المنافق الوضيع شيخ مواعيد وسيدا سائدا أشبه بإله .. وفي نفس المحيط وبمثل الوسائل التي سيدوه بها .. تجدهم يلعنون سلالة نسله ويطعنون في عرضه وأصله ، ويقللون من قيمة كل ما أنجزه .. مما يجعلك تشك في كثير من الثوابت التي حولك.. مصداقاً للحكمة التي تقول : إن العقيدة إذا كانت ضعيفة يكون الالتزام بها ضعيفاً .. مع ملاحظة أن الإيمان بالعقيدة والقتال دونها ..يحتاج إلى الخلق الصالحين .. وهؤلاء الناس الصالحون دون شك لايسّاقطون من السماء .. ولاتنشق عنهم طبقات الأرض فيخرجون إلينا هكذا بربطات العنق الجميلة ، والبدل المستوردة ، وقصات الشعر الأنيقة .. أوحتى بـ ((الشناني )) الزاهية والفرامل المطرزة بإتقان .. والعقول المشرئبة لخدمة هذا الوطن دون إنتظار جزاء .. ليعتلوا مواقع المسؤولية كل حسب وزن عشيرته وتقدير شهادته (( الوافدة )) بأموال هُربت عبر بوابات مايُعرف بسلطة كل الناس ، ومشروعه الذي لابد أن يتضمن خارطة التنازلات وقائمة التسهيلات التي سيتم تقديمها ، دون اعتراض لمن جهز له الكرسي الوثير على مقاسه .. في الوقت والمكان المناسبين !! وليتمكن بين عشية وضحاها من إضافة إسمه الموقر (( بين قوسين )) إلى باقة الصعاليك فاحشوا الثراء !! الذين يتبارون في الإستحواذ على كل الممكن وغير الممكن .. ومهما كانت الأثمان .. طبعاً بما فيها ثمن الكرامة !! حتى بدت أشكالهم مسخاً ينفر من مخالطته السالمون من هوس إدعاء المعرفه بكل شيء .. ومربوطاً بموصوفات هزلية وتسميات غير منطقية .. أشبه بقول البعض : هذه راقصة محترمة !! مما يُعد مضاربة صارخة بأسعار الاحترام .. في زمن غريب المعالم .. يفند فيه الليبيون أنفسهم ويصرون خلاله على غرس الخطيئة بتأدية طقوس الرقص ، فوق الهاوية نكاية في أمنا الغالية رغم الوجع (( ليبيا )) وساخرين من تعاويذ تلك الأسطورة اليونانية القديمة التي تقول : ( إن النعاج في ليبيا تولد ناضجة بقرونها .. ولا بيت في ليبيا يخلو من القشدة والحليب !! ) ليدعم ذلك تكالب أباطرتهم وجحافل جيوشهم عليها .. ونحن هنا .. لانظلم أنفسنا بسوء الظن بالأخرين .. ولسنا على درجة من التشاؤم تجعلنا ( لايعجبنا العجب ) أو تضطرنا للوقوف في طوابير المتشمتين !! لكننا و( الكلام بلا معنى سفاهة ) لانحب تأدية أدوار الأقزام الذين يسيرون على المبولة .. كما لايهمنا ماتقدمه الطحالب التي تمارس أدوار المخبرين بإحتراف لم يعد له مايبرره في هذه الأثناء .. ودون مقابل يُذكر .. أو الموسوسون بعلة إعتقاد أن المعرفه هي مجرد أرقام وكلمات وشهائد داخل براويز جذابة ، ومحاضرات رنانة والظفر بالمناصب واستغلال المحاسيب .. متجاهلين بأنها تعني الإنفتاح على كل العلوم .. والإقتراب من الآخر في جميع أحواله .. وإفساح مساحة فيها من النقاء والسمو مايسمح للفكر بالنضج المبكر والرقي.. والإبتعاد عن حصص التعنيف المدبلج منذ زمن لطم الخدود وفرض الآراء بالعضلات .. وحصر مصطلح الثقافة وإبداء الرأي في الإطار الجاهلي الضيق .. رغم مرور اكثر من أربعة عشر قرناً على مقتل عمرو بن هشام !! والترفع ماأمكن ذلك عن بعض تقاليد مرابيع السلطة ومشائخ بعض العشائر ومعظم أعمدة القوم !! الذين لايزالون يواصلون الحلم بالغنائم ، وتأدية الحج بالمجان ، والحصول على ذوات الدفع الرباعي كما الأمناء !! والظفر بالأنفال ، وترسيم الحدود بين كتائب التغلبيين وسرايا البكريين في القرن الواحد والعشرين !! ساعين إلى زيادة طين الأيام بللاً .. ورائحة القهر عفناً .. والأوضاع تأزماً .. بالعزف على وتر أصول الأجناس ، وفروق المواطنة كموضة بهيمية ، ونعرة غبية وموجة جاهلية تتدافع وتتسارع .. لتسود أوساط حتى مايسمى بالمثقفين وأشباه المتعلمين .. وسط تزمير وتذكير وتطبيل وتهليل محموم .. وإصرار وتكرار أُستغلت لأجله كل الدهاليز التي لاتطاق .. المؤدية إلى نهاية الإختناق ، مهما كانت مظلمة وظالمة .. نتجت عن أزمة إنكفاء السرائر وانطفاء الضمائر .. وبروز نكتة ليبي يملك .. وليبي ( أمسطح ) قافز على الثرى !! ومواطن من أهل الوطن .. وأخ له تضيق به جنبات الوطن !! وليبي يحمل إمتيازات النسب وبراءات الخؤولة .. وآخر ناقص لكل إعتبارات الخِلقة ومؤهلات الرجولة !! وهذا مولود في رحابنا الطيبات .. وذاك مزلوق في بيادر إحدى الجارات !!!! متناسين بأن كل ذلك خضع ويخضع لمعطيات وظروف غير طبيعية ، ولمسائل جد علمية .. والعلم لا يخضع للتعليمات .. وبأن غباءهم هذا الذي يهبُّ علينا مثل رياح خزرجية .. سيقلّب مواجع كثيرة ويعيدنا إلى زمن ذلك السؤال الغبي الذي يقول : أيهما أثقل طن الحديد أم طن القطن ؟ زمان الظن بأن الإنسان يولد مرة واحدة فقط .. وتكريسه لهذا الميلاد للأخذ بمنتهى الأنانية .. والإستخفاف بمجمل القوانين التي تنظم الحياة اليومية .. وطمس كل مايتعلق بالهوية .. والنظر إلى كل النبلاء الذين قدموا ويقدمون قرابين العطاء وفاءاً وحُباً لهذا الوطن .. على أنهم مجرد ( عبطاء ) و (مهابيل) لايحسنون التصرف واستغلال الفرص .. لاتبتعدوا ولاتتعبوا .. انظروا حولكم !! ونحن هاهنا .. وهكذا مذ عرفتموننا نتتلمذ مع توالي الأيام .. على صفحات هذه المطبوعات الفقيرة .. منذ زمن ليس بقصير .. لم نخاطبكم أبداً بما لا تفهمونه علينا ، ولا تشبه كلماتنا الشعر الحديث .. ونكتب على قدر البراح المتاح لنا من الحرية المسافرة .. نتألم لما تتألمون له .. ونسعد بما تسعدون به .. نجمع لكم بعض النقاط بحروفها .. وعديد المشاكل بحلولها دون ميل عن الحق ..لاتمتطي سطورنا صهوات الصُدف .. ولا نضمر في قلوبنا ذرة غلِّ لكل من يفخرون بأنهم ليبيون .. كما ليس في عقولنا ما يُخيف أو نَخافهُ أو نُخْفهِ .. تم الإرسال .. ونلتقي بإذن الله ..

طــــبرق 13/11/2008

سلمت يمينك علي ما خطته ، احسنت استاذنا الفاضل في سردك ووصفك وفكرك ... كن بخير