من سرق مطار كمبوت ؟

تواردت خلال الأشهر الماضية أنباء عن صيانة وتطوير وتجهيز مطار كمبوت الخدمي، أقدم مطارات شمال شرق ليبيا إنشاءا، بعد تجاهل طويل الأمد، وذلك في إطار برامج التطوير والتحديث التي تشهدها بعض المناطق خلال السنوات الأخيرة، ولكن النكتة بل النكسة ليست هنا، تخيل أنك بعد أن تبلغ من العمر عتيا وتحال إلى التقاعد ، يطلبون منك تغيير اسمك وملامحك ويوم ميلادك! وهذا بالفعل ما كان سيحدث.

فبعد تأكيد بدء العمل في هذا المشروع، وتوالي الزيارات المتكررة للمسئولين وكثيري الكلام والوعود الزائفة إلى هذا الموقع .. تسربت شائعات كثيرة بطنانية ومستوردة .. مفادها أن هذا المطار لن يُسمى مطار كمبوت كما كان معروفاً بذلك في عشرينيات وثلاثينيات وأوائل أربعينيات القرن الماضي!! وإنما يتم التحضير في الدهاليز الماكرة والمتنكرة لاختيار اسماً آخر بديل، سوف يقطع كل صلة لهذا المطار بتاريخه الطويل واسمه الوحيد العريق، وهو الذي لم يُتفق عليه حتى الآن!! ربما البعض منكم يتساءل لماذا كل هذا؟

وما الداعي لكل هذه (التعرجات ) والبحث المتواصل عن المشاكل والتعقيد في أمور كهذه، وتلويث آخر ما تبقى من مساحات الصفاء والطهر، بدق أسافين الطمس وإثارة القلاقل وتحديث التنازع؟

وبمنتهى التجرد بحثت جاداً عن إجابة مقنعة لهذه الأسئلة، وفي زمن نحن فيه أحوج ما نكون إلى الشفافية، لم أجد إجابة شافية، فإذا كانت أداة الحسم في مثل هذه المسائل هو التاريخ، فقد ذُكرت عبارة مطار كمبوت في حوالي 17 كتاباً ومرجعاً في كبريات مكتبات العالم،معظمها من الأرشيف الحربي ، ووردت في أكثر من 54 وثيقة تاريخية هامة، وفي مذكرات مئات الجنود والضباط الأجانب، وفي 12 قصيدة ومقالة محلية وعربية ولاتينية، وإن كانت أداة الحسم التضاريس والجغرافيا والحاضر الآن، فكل المساحة المخططة والمقررة لتوسعة هذا المطار تقع في نطاق منطقة كمبوت ، وزيادة على ذلك وللتذكير فقط فإن كل ما يحيط بكمبوت هو امتداد طبيعي في رحابها ويدين لها ، كل قواعد التعايش البشري تؤكد ذلك، وإن كانت الأمور في مثل هذا الموضوع يجب أن تْراعى فيها الحجة المنطقية والسبق، والعراقة والقِدم، فقد تجاوز عمر مطار كمبوت المديد، الأعوام التي عاشها شاعر العرب زهير ابن أبي سلمى ليقول:

سئمت تكاليف الحياة ومن يعش .. ثمانين حولا لا أبالك يسأمِ

لقد سئمنا كل هذا الغباء، وتخبط أجهزة الدولة ، وطمس كل المسميات ، ومحاولات محو الذاكرة باسم الحداثة، وترسيخ مبدأ الجهوية المقيتة على حساب حقائق التاريخ التليد والجغرافيا المترامية.

ختاماً، يظل من نافلة العقل - والعقل مناط التكريم - أن نُذّكر الجميع بأننا لسنا ضد عملية بناء وتطوير هذا المطار تحت أي مُسمى، ولسنا على مذهب التخلف ، لكننا كذلك لا نستطيع التطبيل والتزمير لأصحاب الأفكار المضحكة البائسة الممارسة لسياسة المغالطات الفظيعة،مهما كانت لها أياد ومخالب نافذة في سدة الباب العالي !! ويكفي أن المتابع لهذا المشروع قد قطع الطريق أمام كل التكهنات، وبدد شجوننا وطمأننا إلى حد ما في كلمته منذ أيام ، بعدما أكد أن العمل جارٍ على تنفيذ مطار كمبوت الخدمي الذي سيعتبر شرياناً مباركاً ورافداً اقتصادياً مهماً في حياة منطقتنا وشاهداً على بعض ما يحدث من تطور وتنمية في هذا الجزء من بلادنا رغم كل هذا التأخير غير المبرر.

طبرق 20 / 7 / 2009م