صابرات..واجدات..أفندم .. عبد الرحيم حفحوف

قرأت في يوم ما.. هذه العبارة التي بين أيديكم ( إحدى أعراض الخيبة تتجلى في بدء تصديق الإنسان لكل ما يدور حوله.. وتنتهي بمأساة الشك والارتياب وعدم الثقة في كل شيء حوله ) وأصدقكم القول.. أنني لم أجد أفضل من هكذا بوابة أنفذ من خلالها إلى هذا الموضوع.. أقصد موضوع صبر المواطن البسيط.. واعتياده على تلقي الخيبات تلو الخيبات.. وتعاظم أرتال الشكوك في نفسه غير الراضية.. عن معظم المدراء والأمناء و ( الوزراء ) في هذا البلد.. في ظل عدم وجود لمفرّغات الخيبة وتخفيف شحنات الكبت.. وتتالي وخزات العجز وسلطة سيوف الحاجة والفقر اللعين.. التي ابتلعت أغمادها وكشرت عن أنصالها أمام الجموع !! فها هو العام 2008م الذي بدأ وانتهى.. مر كما تمر زغرودة ضفدعية وكما مرت من قبله أعوام وأعوام.. تعانقت في رحابها الرؤى.. وتوالدت الطموحات.. وتجددت خلالها المعاناة والأوجاع والآلام.. ولم يطرأ جديد..أو ينبلج صبح أمل سعيد.. بسبب استمتاع النخبة.. وسيطرة القلة.. وجشع ( التماسيح ) ورعونة وغباء ولصوصية أولئك الباشاوات غير الكرام.. والبئر والغطاء معروفان.. فأنتم تتذكرون تماماً كما أتذكر.. كل تلك العشرات.. بل المئات.. إن لم يكن الآلاف من وعود أغلب الأمناء والمسئولين والمدراء (العامون) في ليبيا (الضيقة) التي يتعارف فيها الكل على الكل بكل سهولة ويسر وعبر عديد الوسائل خلال المناسبات الوطنية والدينية واللقاءات الاحتفالية والاستعراضية التي تستحدث وتنسى أحيانا حسب الطلب.. وخلال سنوات وسنوات.. أعقبتها سنين عجاف.. وليالِ كئيبة متعاقبة أقسى وأفظع.. لم يهنأ فيها المواطن ولم تنتهي مطالبه ولم يتوفر الحد الأدنى من ضرورياته.. ولم يُنجز وَعدٌ في موعدِه ومِنْ وَاعدِه !! كما لم يتحقق حلم ولو متواضع.. ولربما جاء العام القادم مختلفاً وخالٍ من بعض هذه المنغصات القميئة التي تعكر مزاج الأيام.. وتحققت بين شهوره بعض الأحلام.. لكن.. ما ذنبنا أن ذابت أعمارنا في الحاضر سدى.. على شفير الانتظار.. في متتالية رتيبة مهانة.. تتواصل وبمنتهى التشابه صباح مساء.. في استجداء مستديم لأبسط الحقوق المشروعة.. ومؤجلة من العيد الفلاني إلى مطلع العام العلاني وهكذا وهكذا وهكذا.. وسوف.. وسوف.. وسوف !! ونوقشت خلال الاجتماع ووو...... ولم تنفد صناديق ( سوف ) من أدمغة الأمناء على سلطة الناس ولن تنفد.. ولم يثمر اجتماع لجنة.. ولن يثمر.. ولم يأتِ عام دون مواجع.. ولن..... !! فـ..... مجمل كلامهم.. يمر ويتلاشى مثل السحاب الممطور.. وكما أحلام التعيين على أي مربوط في بلادنا.. وأغلب خطبهم إن لم تكن كلها.. مجرد سراب يحسبه الضمآن ماء.. ووعودهم أشبه بخلطات ( شرشبيل ) الفاشلة.. وقراراتهم العشوائية لا تعدو كونها (زعبريشن) منقوع في عصارة عنصل بري 42 شهراً.. ومخلوط بـتشكيلة من الأشواك التشادية.. وملصق بصمغ إنجليزي تحت جناح بومة سوداء بقوة 11 ريشة.. لا تغفل ولا تنام طيلة 3 فصول لا تغرب فيها الشمس !! أي بمعنى آخر أن وعود وخطط وقرارات واجتماعات كل هؤلاء في الغالب لا تساوي حتى الحبر الذي تكتب به.. لأنها بعيدة دائماً عما يفيد المواطن وعادة ما تنثر الملح على جراحاته التي لم تندمل.. ولأن الناس وبعبارة أكثر وضوحاً.. فقدوا الثقة في شخص المسئول الليبي مهما كانت (قبيلته) أو مؤهله العلمي أو خبرته العملية أو موقع تمركزه.. وذلك بسبب الوقائع المرة الجلية الواقعة.. والمصائب والممارسات التي يرتكبونها جهاراً نهاراً.. وما عادت خفية.. فـ... شتي أسرارهم مكشوفة.. وكل تحركاتهم معروفة.. ولم يعد أحد بين جنبات الوطن الطاهر.. ينتظر إنجازاً من سيادة هؤلاء الأمناء النبلاء الذين يجيدون التزاحم عبر المسالك المؤدية إلى جهنم والعياذ بالله.. في تسابق يحكمه الزقوم.. ومؤشره الرشوة.. ومراقبه الكذب والسرقة والفساد.. رغم كثرة التململ والسأم من سلسلة الصبر المر.. ورغم الجود (الواجد) في غرس بذور المحبة والعفو والتسامح وظن الخير.. فيمن لا يُتوسم منهم أي خير أو محبة أو جود.. ولكن (الأفندية) لا يكترثون لمأساة حياة السادة الحقراء في دولتهم.. ولا يهمهم إن أكلوا خبزاً.. أو شربوا ماء.. أو سكنوا خيمة.. أو تعلموا حرفاً أو هاجمتهم الحُمى بليل أو ركبوا بواخر في الدردنيل.. لأنهم (سائبون) لا تحكمهم شكيمة.. ونواياهم غير قويمة.. ويتكاثرون في ولائم السرقة وأكل السحت.. خاصة حين تولد مستخلصات جديدة.. حينها يسيل لعابهم العفن.. ويمكنك أن تشتري أغلى ما عندهم بتراب (الفلوس) كما يقولون.. وعندها أقول : ها نحن وأنتم على عتبات عام ميلادي جديد.. أتمني أن يصان فيه ما تبقى من الكرامة وراحة البال لجموع (أقلال الوالي) وأن يتم ترحيل كل (الناهبون) الذين بددوا ثروات هذا البلد.. عن هذا البلد.. بعد أن عجزت كل أجهزة الدولة طيلة هذه السنين عن ردعهم أو محاسبتهم أو حتى إدانتهم.. وأن تجف آبار النفط أو يتدنى سعره إلى ما دون 100 درهم ليبي للبرميل الواحد..كي لا يتكالب أحد على (قصاعنا) أو نضطر إلى رؤية وجوه لا نحبها.. وها نحن وأنتم مرة أخرى على عتبات عام ميلادي جديد.. أُهدى فيه كل أمين على شؤون الناس أو مسئول في بلادنا.. اختلس أو سرق أو نصب أو ارتشي أو أهمل أمانته أو واجبه المنوط به.. حذاءً على طريقة الصحفي العراقي (منتظر الزيدي) كل حسب مقاس حذائه ولن تكون آخر الهدايا كما لن ينقطع جسر التواصل ما دامت هذه المساحة.. وما دامت عيونكم الحلوة.. ونلتقي بإذن الذي لا تضيع ودائعه في العام القادم.