[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]أخيراً.... أحضر حمد حصاناً أبيضاً
لركوبه من أجل أحلام فتاة أحلامه ... فأحلام فتاته ليس لها مواصفات آدمية
تخص كامن حمد نفسه ، أنما لها شروط حيوانية أيضاً على هذه الذات .. اشترى
حمد الحصان اليقق(*) عندما أخبره البائع بتاريخ الحصان العريق ، مذ كانوا
يخيطون فرج جدته بالفضة لئلا يلجها حصان غير أصيل .
قال راوي تاريخ الحصان : ـــ
أعفى الحصان من خدمة الملك بعد ما كان مخصصاً لركوب صغرى الأميرات في
القصر، ولما
سقطت الأميرة في حب مدربها وهي تتجول على صهوته ، صار غير مرحب بظهره لجلوس
الأميرة
..
أثر به نفيه إلى إسطبلات الحرب لاسيما وأنه ترك فرس الملك العربية الأصيلة
حاملاً
منه ، وذهب ليحارب مع جنود مليكها في بلاد ليس لهم فيها ناقة أو خنزير ...
كان يبكي
في الصفوف الخلفية عندما يتذكرها وهي تطرح فضتها جانباً وتأتيه ، يبكي حتى
انحرف
الحور بعينه فتحول حولاً، وإذ كان خيالة الملك يهربون من عدوهم صاحب الأرض ،
لم
يتمكن الحصان لكثافة الأدخنة من رؤية المعركة بوضوح ، فأصاب سهم مريش عينه
السليمة
، ولولا أن جيش الملك انتصر بالخداع البصري عبر وسائل التعتيم ، ما كان
ليعود حياً .
مكث الحصان يأكل قمامة القصر قبل أن يبيعه الجيش إلى الإسطبل ، معتقداً
لضعف بصره
أنه يأكل من مائدة الملك مباشرة ، بل ويجالس الملك كذلك .. انعكست تلك
الراحة
المعتقدة عليه بمجالسة الملك وأهله وزواره ، بالسمنة والاكتناز، ما جعله
مطلوباً
لنكاح أبكار الخيول التي لم تصده رغم أصابته ، إذ غطى قوامه عيوبه البصرية
.. مضت
حياته داخل الإسطبل على النحو التالي ، يأكل وينام ويتبرز ويقتحم الخيول
الأخرى دون
تمييز، ويذهب مسافة طويلة يومياً لرفس الحمار الوحيد في القصر، الذي يملكه
غفير
الإسطبل ، لاعتقاده بأنه حمار الملك الواشي عن علاقته بفرس جلالته ، حيث لا
مثيل له
بين مخلوقات القصر، وبما أن الملك هو من يملك تلك الأشياء النادرة ، يصبح
الركل
واجباً مقدساً !
.. عندما تخطر بباله ذكريات الحرب تعتريه هستيريا ، فيملاء الأرض بالصهيل ،
وتدمع
عينه الحولاء حتى يجتمع عليها مجتمع الذباب في تلك البلاد ، فيضطر للكف
والسكوت
خوفاً من قرص الذباب الأسود والأخضر لنظره .
لقد كان حمد يراعي ظروف الحصان المعنوية والجغرافية والتاريخية عندما يركبه
ويتجول
به في سماء الأحلام الوردية الواعدة ، يريه أجمل الفتيات في مقاطعتهم ،
ليختر
واحدةً يطير إليها ويتبجح ببياضه فوق وسادتها ، وتنبت له الملائكة أجنحة
كرمى
لعينيها ! .. وكان أن أمرضته صدمات القصور الملكية المتكررة ففقد بياضه
واكتسحه
البهاق ، إلا تلك المنطقة الحرة مابين قدميه ، نجت من اللون الطارىء ولم
يتمكن منها
زحف البهاق .. قام حمد إلى بقايا طلاء منزله من الجير، وطلى بها تلك
المنطقة لكي
تتناسق خطوات الحصان مع كيانه الحالم .. في المرة الأولى التي ركب فيها حمد
ظهر
حصانه بعد الطلاء ، أصابه دوار الأحصنة فوقع ، ذلك أن حمد لم يكن معتاداً
سوى ركوب
الحمير .. في المرة الثانية كسرت رباعيته .. وفي الخامسة أبى الحصان أن
يتحرك من
مكانه ، وفي السادسة كان ثمة حظر تجوال عام ، وفي المرة السابعة للأحلام
الوردية ،
عيرت الحمير حصاناً من الأحصنة المعصوبة العيون بأنه أعمى منقاد ، يموت على
اعتقاده
بعدم الدوران في نفس المكان ، ولما سمع مجتمع الأحصنة بإهانة الحصان ، قرر
رد
الإهانة حتى وإن كان اليوم يوماً وردياً لا دمويا ً!! .. في المرة الثامنة
لمحاولة
صنع الأحلام ، تذكر الحصان شيئاً مؤلماً من طفولته التي قضاها في حرب داحس
والغبراء
.. فلم يتقدم خطوة ولم يتراجع ، وقف يسجل موقفه الذي لم يستطع الإعراب عنه
من الحرب
ومن الإصدار الجديد لها !
كان يقف وقفة حداد ... حاول حمد جعله يمشي أو يطير، ضربه بالسوط على جنبيه
فاقشعر
بدنه ، ونظر بحقد داحسي وعداء غبرائي لحمد وهو على ظهره ، فشهق حمد شهقة
أسقطته
أرضاً ، لأن الحصان أدار رأسه بالكامل للخلف فغدا وجهاً لوجه مع حمد الذي
سقط
نادماً على استخدام السوط في غير محله .. بعد أن تناسى نظرة الحصان
المتحدية
والحادة ، حاول حمد ركوبه مرة آخرى ، فما لبث أن أنطلق به بسرعة سبعين
حصاناً ولم
يتوقف عن العدو إلا عندما رأى حمد الأرض تدور من حوله وهو مبطوح فوقها ممزق
الثياب
، كسير الخاطر، كسيح الخطى .. عاد الحصان بسرعته العادية ووقف إلى جانبه ،
ولم يكن
حمد ليحتمل مزيداً من الإهانات بتجمع الذباب الأزرق والأخضر على قطعة رماها
الحصان
بين رجليه ، فانتزع نفسه من التراب راكضاً باتجاه الحلم الذي ينسيه هزيمته
أمام
حيوان ، مجرد حيوان لا عقل له !.. وذات مرة ركب حمد حصانه ليلاً ، لتحلمه
حبيبته بعدما لم يستطع في الواقع أن يرى
نفسه فارسا ً يليق بالأحلام الكبيرة ... فإذ هو يسقط عند السادسة صباحاً عن
فراشه
لأن فطومه لم يكن لها رأس ترتاده الأحلام ولا الفرسان !!
ومن أجل الأحلام والفروسية والحصان الأبيض ، قرر استبدال فطومه بأخرى تناسب
مزاج
حصانه ، وإن كان قلبه لا يحبها ولا يميل إليها .. اخترق حمد بحصانه رأس
المحبوبة
الجديدة ... فاصطدم الحصان بشيء يشبه جداراً متيناً في رأس المخلوقة !!
جرح الجدار الحصان في بطنه ووجهه وأفخاذه و كشط البياض الاصطناعي عن
المنطقة التي
كان سوادها تاريخياً بفعل حرب داحس والغبراء الرابعة .. إن حمد ليرجو من
فتاته
توسيع رأسها ليتمكن حصانه من دخوله ، فإذا كان رأسها ضيق علي إدخال شيئين
فكيف
سيكون قادراً على إخراج ثلاثة أشياء ؟!
هكذا تمنى حمد على أهل فتاته ردم الحفر العميقة برأس ابنتهم ، لكن ردهم جاء
قاطعاً
بأن الردم شأن الدولة وحدها ، واقتصار شأنهم فقط على الحفر! .. إذ ذاك تسمم
الحصان
بقطعة صدئة من رأس فتاة أحلامه إثر اصطدامه به ... أوجب خروجها تغيير
الفتاة
والتغاضي عن الحلم ، واستبدال كل عضو من الحصان بآخر من خشب ، واعتراف فرس
الملك
بأن جميع الخيول الملكية من لوحه وعوده ، أما تلك التي لم تتخشب فإنها محض
أحصنةٍ
مسممةٍ بالصدأ !
لا بأس ... ربما يحدث ذلك ضمن موسم من مواسم الأحلام في رؤوس ليس بها
ملايين الأسقف
وملايين الجدران!
___________________
(*) اليقق في العربية شديد البياض .