[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] في بنغازي الليبي يموت على يد الليبي، أطفال بسكاكين، وشبان (بطبابيق) و (أمواس فرش) تحت ستراتهم وفي سياراتهم، وبعد بضع كلمات ولأتفه الأسباب تجد أحد أبناء بنغازي ممداً على الأرض أحد أبناء هذه الحزينة ميت، الموت في فلسطين مبرر وثمنه الجنة، أما في بنغازي فهو من اجل دينار، أو نقال، أو لأن سيارة أحدهم لمست سيارة الآخر، و في أحيان كثيرة بلا سبب وبلا ثمن هكذا بمجانية، وهذا يحدث أمام أعين الجميع بما فيهم الشرطي الأعزل من أي سلاح يدافع به حتى عن نفسه لا عن الآخرين، أم القانون في بنغازي فقد ترك مكانه للقبيلة، القبيلة التي كانت في جيلي جهاز ردع وإيقاف لكل متهور، أصبحت رأس مال القتلة، بنك جاهز لدفع ثمن دم أبناء بنغازي، تجمع القبيلة كل شهر من قوت أطفال أولادها لدفع ثمن عيال لبلاد، حتى ولو كان هذا القتل عن عمد وعن سبق إصرار وترصد، من يشعر بالأمان اليوم في بنغازي، فأنت أو أبنك، أخوك، صديقك، جارك قد يقع بكل بساطة ضحيت معتوه مخدر يحمل موس فرش في جيبه، أنا متعاطف مع بنغازي أكثر لان عدد الموتى بسبب حوادث السيارات فيها في كل شهر أكثر من الذين يموتون في حرب أهلية في أحدى دول العالم، أنظر هاهو هناك جسد أحد أبناء بنغازي وسط كومة الحديد والزجاج مغطى بدمه، وهذه عائلة أختلط لحم الآباء فيها مع لحم الأبناء على قارعة الطريق، وهذا ليس بسبب اليهود بل لأن معتوه قد خرج عليهم بسرعته الجنونية من اللامكان، وما هو أمر و يستحق ذرف الدموع أن يستمتع أبناء بنغازي بمشاهدة ليبي يذبح ليبي أو ليبي يضرب ليبي على شاشات هواتفهم النقالة، ويتناقلونها عبر البلوثوث وكأن الأمر لا يعنيهم، عيال بنغازي الرجالة، الجدعان، الفزاعة، لا يهتز لهم طرف ولا يندى لهم جبين وهم يشاهدون أخواتهم، بناتهم، أمهاتهم الليبيات وهن يرقصن في أفراحهن الخاصة أو على شاشة هاتف مريض نفسي قد صور لحظة أغتصابه لليبية من لحمهم ودمهم.
في جيلي كان تعاطي المخدرات دليل على ضعف الشخصية، وضعف الإرادة أما اليوم فتعاطي المخدرات في بنغازي قد أصبح من ضرورات الحياة اليومية وليس من كمالياتها، جيل كامل مستعد لفعل أي شيء القتل، السرقة، التسول من أجل المخدر، لا يهم من الضحية، لا يهم الثمن، حياة شاب، مرتب أم عملت طوال الشهر، سيارة ثمنها سلفة لم تسدد بعد، فحياة وممتلكات أبناء بنغازي أصبحت رخيصة، أرخص حتى من قطعت حشيش ثمنها خمسة دينار، ها هي بنغازي.. الشوارع المسكونة بالعدواة والكره، الشوارع الضيقة في بلد مساحته نصف مساحة أوروبا، العمارات ذات الأشكال المشوهة، والتي أصبحت قابعة على صدر بنغازي كالديناصورات الميتة، الاشجار التي من المفروض أنها تزين الشوارع فأصبحت كالندوب على جبين هذه المدينة،الفيلات في الأحياء الغنية تحولت إلى مصحات تحصد مال الفقراء، وفي الأحياء الفقيرة تحولت (المرابيع) إلى محلات يتسوق فيها الحالمين بالوصول إلى شارع دبي،هذا غير الأحياء التي يجب الرجوع بها إلى ما قبل القرون الوسطى، بصراحة أنا متعاطف مع بنغازي أكثر من غزة وأتمنى لو أن هنالك مؤتمر يقام لإعادة أعمار بنغازي.
ها هي ذا بنغازي، بنات عوانس بسبب القمع وغياب الحب، أكثر من عدم توفر الزواج، هاهي ذا بنغازي شباب استبدل الأفكار والأحلام بالريال وبرشلونة، واستبدل الأمل بالحسرة على ماوصلت إليه الإمارات من تقدم على جميع المستويات، ها هي ذا بنغازي متسولين ومتسولات، مجانين يضاف كل فترة شخص جديد إلى قائمتهم، ها هي ذا بنغازي وكلمات الخيبة على لسان أبناءها بسبب منتخب بلادهم الغير قادر على تحقيق أي انتصار أو الترشح لأي بطولة.
ها هي ذا بنغازي والسيارة فيها إذا لم تكن هامر، توسان، لاندروفر، كامري، فعلى الأغلب صاحبها (هيشيرلك بالضي) لأن صاحبها فقير ولم يعد قادر على تلبية حاجات أسرته بالمرتب فقط (المرتب اللي هو نفسه بيش يعيش لعند يوم ثلاثين تبيله مرتب).
بنغازي الموت، والمخدرات، والرشوة، والغش، والأحباط، والخيبة، بنغازي الحزن والمرارة تستحق التعاطف أكثر من غزة، تستحق (رباية الذايح) الدموع على روحها أكثر من الدموع على أرواح الشهداء في غزة، ولا يظن أحد أن هذا نحيب على حائط أيام زمان، لا، لأن في القرن الواحد والعشرين، وفي عصر البترول المفروض أن يكون اليوم أفضل من الأمس، وغداً أفضل من اليوم، لكن للأسف هذه هي حقيقة بنغازي 2009، والحق يقال لا هذي بنغازي ولا هضوم عيالها، ربما يسأل أحدكم لماذا لم تبقى هناك ؟ كانت إجابتي قبل عقدين من الزمن عن هذا السؤال ستكون :
السبب شبيه بالسبب الذي رفض من أجله سان سيمون لقب كونت وهو أن هذا اللقب أقل من لقب مواطن، أما اليوم فستكون إجاباتي هي الصمت.