[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]بإرادة الهيئة الاجتماعية يسن المشرع القوانين، لتتحقق الطاعة والالتزام لدى المجتمع بأكمله، وبمن فيه الفئة الرافضة لإرادة الهيئة الاجتماعية وأحكام القوانين والتشريعات. وما ذهب إليه محمد الزوي أمين مؤتمر الشعب العام الحالي، والأمين الأسبق للجنة الشعبية العامة للعدل من تبريره لرفض تنفيذ حكم الإعدام والحكم ببراءة رجل أمن قام بقتل مواطن أثناء قيامه بواجباته، وذلك بأن طلب منه التوقف فرفض، الأمر الذي دفع رجل الأمن لإطلاق النار عليه وقتله، مثل ما نشاهده في الأفلام الأمريكية على حد قوله. وكان التبرير لوقف تنفيذ حكم الإعدام وشطبه، الخوف من أن يؤدي لعزوف رجال الأمن عن أداء واجباتهم حتى لا تطالهم أحكاما قضائية بهذه القسوة.
وكأنه بربطه لجريمة القتل بالصفة الوظيفية للقاتل ( رجل أمن ) وتجاهل ذكر ما قام به المجني عليه واستحق عليه القتل وزهق روحه. أراد- ربما عن غير قصد- أن يرسل دعوة للقتل تحت شعار أداء الواجب، خاصة مع تجنب وصف الجريمة وأسباب الحكم. وفي كل الأحوال، ما كان يجب أن يفوته أنه من الخطأ الخوض في صحة منطوق حكم بالنقض والإلغاء وحتى العفو دون معرفة الوقائع والأسباب ومن جهة مختصة قانونا، ونسي أن مواد القانون مؤسسة على مفاهيم اجتماعية تجعل منها( وازعا لا رادعا) تعيد الإنسان إلى إنسانيته وتجرده من الأهواء وتدفعه للتعامل بتعقل ولا تدفعه لترك واجباته طالما هو مدرك لها كل الإدراك، وفي ذلك إعلان ضمني_أيضا_عن تبرير القتل الوظيفي أو ما يسمى بالقتل الرحيم الذي برره بعض المجانين من الأطباء تحت شعار دور الطبيب تخليص المرضى من آلامهم بأي طريقة يراها بما في ذلك القتل_ وهو ما نشاهده في الأفلام الأمريكية أيضا_ وهو المنطق الذي ترفضه المجتمعات المسيحية والصابئة فما بالك بالإسلامية.
صحيح أن أمن المجتمع يستحق أن يكون ضمن الأولويات، لكنه لا ينبغي أن يكون مبررا لقتل أفراده لمجرد عدم التوقف في بوابة، ولا يخلو منعطف في طريق رئيسي أو زراعي أو شارع في ربوع بلادي منها، حتى أن بعضها يفاجئك دون أن تكون لك دراية بها، ترتبك وربما تجد صعوبة في التوقف لأسباب نفسية أو ميكانيكية فيكون نصيبك رصاصة تخترق مؤخرة رأسك كما حدث مع أحد أصدقائي في مدينة بنغازي حمدي حشاد رحمه الله، وسكان مدينتنا يشهدون له بحسن السيرة والسلوك والجهات الأمنية بالانضباط وطيب المسلك. بذلك ووفق ما أورده أمين العدل الأسبق فالقاتل قام بواجبه على الوجه الأكمل، والمقتول الضحية مجرم استحق القتل. وبدل أن يستدرك أعضاء مؤتمر الشعب العام الذين اختارهم الشعب بمداخلاتهم ونقاط نظامهم للتصويب، بغض النظر عن الكولسة وشراء الذمم والترشيد، وهم بلا شك قد ( تمرطزوا)في مئة بوابه وبوابه قبل وصولهم إلى مقر الانعقاد، أقلها بوابات قمينس وأجدابيا وراس لانوف، فقد أعلنوا موافقتهم بل وتعجبهم من منطوق الحكم وإعجابهم بذكاء الأمين وفطنته.
تجاهلنا أن الثقافة القانونية وإدراك الواجبات والحقوق الفيصل في العلاقة بين رجل الأمن والمواطن والعكس كذلك، وهناك من رجال الأمن من ينطبق عليه القول(الجبان مفترس عندما يمتلك السلاح ويحميه القانون) خاصة وان وظيفة رجل أمن أصبحت مكبا لفائض الملكات الوظيفية وملجأ الباحثين عن عمل من الأميين وصغار السن، والمواطن الليبي من البساطة بحيث يهرب ولا يتوقف في بوابة لمجرد أنه مراهق لا يحمل رخصة قيادة أو أوراق ثبوتية أو لا يريد أن(يكحل) أخواته مراهق آخر من رجال الأمن الذين ينصبون فخاخهم وبواباتهم على الطرق المؤدية إلى المناطق الساحلية والشواطئ في نهايات الأسبوع فقط، لأنهم يعرفون بأنه موعد رحلات العائلات ببناتها، فهل يجيز القانون وتحل الشريعة ويسمح المنطق والعقل بقتله. ولا يقارن أي منهما برجل الأمن الأمريكي،لا يطارد إلا المشبوه ولا يفتش إلا بأذن من النيابة، ويتلو عليك حقوقك لحظة القبض، والمواطن الأمريكي يحمل دائما أوراقه الثبوتية وقد تيسرت سبل الحصول عليها ويبقى في سيارته حتى وصول شرطي السير ولا يقوم بأي حركة تثير الشكوك. والقانون الأمريكي لا يسمح للشرطي باستخدام السلاح إلا دفاعا عن النفس وليس لمجرد توقيف شخص أو إيقاف سيارة مع أن القانون يسمح لكل من بلغ الثامنة عشرة باقتناء السلاح. وهنا يجب أن لا ننسى أننا مجتمع قبلي متداخل في علاقاته وممتلكاته ونزاعاته، وبالتالي تظل حيادية الموظف أيا كانت وظيفته أمر مشكوك فيها، فمن غير المعقول أن تسلم اللجنة الشعبية العامة وكافة الأجهزة الرقابية بفساد الإدارة في ليبيا وانتشار المحسوبية والرشوة والإهمال والتسيب، وتستثني منذ ذلك الإدارة الأمنية التي نعتبرها ملائكية.
زد على ذلك الفهم السائد لدى نسبة كبيرة من الليبيين وهو أن رجال الأمن يحملون أسلحة دون ذخيرة، وبالتالي لا يترددون في الهروب منهم وتجاهلهم، وفي بعض الأحيان يعتدون عليهم بالضرب والشتم، ويتدخل العرف الاجتماعي الضامن القوي لحقوق كل الأفراد( من الأمن أو غيره) واعتبارها قضية كقضية مواقعة.
هناك فهم خاطئ للمهام والواجبات، وليس منها تفتيش المواطن( عمال على بطال) في كل ركن وزاوية، فالصحيح أن الأمن وجد لحماية المواطن وليس حماية الورق والأختام، فالطبيعي أن الأمن لا يقع عليه واجب البحث عن المخالفين والمخالفات، بل التدخل لإيقاف المخالفة عند وقوعها، أما الاستباقية والوقائية فهي دور جهات أخرى لا تستعمل البنادق والرشاشات بل الحوار والأقلام، ولو وقف رجل الأمن وهدفه القبض على مخالفين، في ساعة واحدة سيقبض على مدينة بأكملها ولن يجد سجونا تتسع لسكانها. واحترام القوانين واللوائح يتطلب ثقافة قانونية وسهولة في الحصول على الإجراءات. وعمل رجال الأمن يحتاج إلى قدرات خاصة يتم اختبارها والتأكد منها مسبقا. وقد شاهدت في الأيام الماضية وفي أكثر من فضائية حادثة قتل في سيريلانكا، قام بها عدد من رجال الأمن وضحيتها مواطن هارب ومطارد بسبب قيامه بتصرفات غير طبيعية ومنها التجول عاريا ومضايقة المارة، ليتضح في النهاية أنه رجل مجنون.
في النهاية يظل التأكيد على ضرورة مراجعة منظومة العلاقات بين الأفراد في المجتمع الليبي من جهة، وبينهم وبين الدولة من جهة أخرى، وتحديد مفهوم واضح للحقوق والواجبات بحيث تعبر عن إرادة جماعية ملزمة وبقوة القانون.
***** نقلاً عن موقع السلفيوم *****