التنمية الحضرية
قامت هيئة الأمم المتحدة بدور فعال في نشر فكرة التنمية الحضرية على
المستوى الدولي حيث بدا هذا منذ عام 1951م حينما عملت على دراسة المراكز
الاجتماعية وتلك العلاقة بين المجتمع المحلي والمجتمع القومي ولقد كان
الاهتمام منصبا على المجتمعات الريفية حيث كان ينضر لها على أنها عملية
تركز على تعاون السكان مع الجهود الحكومية بهدف التنسيق بين الخدمات
الزراعية والصحية ولكن تقرير الحالة الاجتماعية لسكان العالم عام 1957م
أكد على ضرورة الاهتمام بالمجتمعات الحضرية وبالتالي وجه الاهتمام إلي
المجتمعات الحضرية من جانب الأمم المتحدة وجاء في أحدى نشرات مكتب
المستعمرات البريطانية عام 1958 م إمكانية استخدام تنمية المجتمع في
المجتمعات الحضرية نظرا للاهتمام المتزايد بنمو المدن في الدول النامية
وطبيعة التغير الموجه الذي بدا يعتري المدينة من حيث ازدياد الكثافة
السكانية والاشتغال بأعمال غير زراعية وكذلك تحديد وإقامة المباني والتغير
الموجه نحو استخدام الأرض شكلت في مجموعها سلسلة من التغيرات البنائية
والوظيفية التي تصيب كافة مكونات البناء الاجتماعي للمجتمع الحضري وفي
تزويد الحضر بعدد من المشروعات الاقتصادية والتكنولوجية والخدمات
الاجتماعية وذلك مثل التعليم والصحة والمواصلات وذلك بهدف الارتقاء
بالمستوى الحضاري والثقافي والاجتماعي والاقتصادي وإدماج الحضري المتخلف
في الحياة القومية بما تمكنه من المساهمة بقدر المستطاع في التنمية
الحضرية (1 ) .
فالتنمية الحضرية هي عملية تطوير المجتمعات الريفية ألي مجتمعات حضرية كما تشير كذلك إلي نشأة المجتمعات الحضرية ونموها .
وتشير التنمية الحضرية كذلك ألي زيادة كثافة السكان بما يتعدى 2000 نسمة
في الكيلو متر مربع ، وكبر حجم المدينة بما يزداد عن 10000نسمة واشتغال
الأفراد في الإنتاج ،وتوزيع التكنولوجيا وسيادة المهن التجارية والصناعية
والخدمات ،ووجود درجة عالية من تقسيم العمل والتعقد الاجتماعي ،وتنظيم
التفاعل الاجتماعي ، وترتبط التنمية بنمو الدولة ،ونمو وتنسيق الضبط
الأجتماعى الذى لا يقوم على الاتجاهات الاجتماعية الأيكولوجية والثقافة
التي تؤدى إلى تنمية المدن .
وتعنى التنمية الحضرية كذلك التغيرات الموجهة التي تعتري المدينة أو تشمل
هذه التغيرات المساكن وبناء العمارات الشاهقة وإنشاء الشوارع والأحياء
وغرس الأشجار (2) .
وفى النصف الثاني من القرن العشرين ظهر مفهوم جديد للتنمية الحضرية فقد
كتب سكوت 1969 بحثا عن المشاكل الحضرية تضمن الحاجات الفسيولوجية
والاجتماعية للمدن واهتم بالأحياء المختلفة ،ثم ظهرت أعمال أخرى تتعلق
ببرامج تجديد المدن ، وبرامج المدن النموذجية ،ويتمثل ذلك في حركة تخطيط
المدن والقرى في بريطانيا عام 1947 ,وفى عام 1968 ظهر نوع من التنمية يهتم
بحركة الإسكان،وهكذا ترتبط التنمية الحضرية بعملية التخطيط فهي تضع وسائل
وأهداف ترتبط بنمط استخدام الأرض .
ويرى فورستر إن التنمية الحضرية تشمل وضع برامج للتدريب المهني وتكاليف
الإسكان المنخفضة ,حيث إن هذه البرامج تؤدي إلى انخفاض عدد العاطلين .(3)
((وتعرف التنمية الحضرية بأنه مجموعة من العمليات التي تعلم الاعتماد على
النفس وتعبئة كافة الإمكانيات والطاقات والقوى وتحديد لأوجه التقدم
استراتيجيا وتكنيكيا على ضوء التفاعل بين الطاقة الوظيفية منظور أليها في
تطويرها من ناحية و بين القوى المعاصرة والضاغطة وكذا الواقعة لنا في عالم
متغير من ناحية أخرى)) (4) .
وترى منال طلعة محمود إن التنمية الحضرية تمثل عملا جماعيا تعاونيا
ديموقراطيا يشجع مشاركة,الموطنين وتشير هذه المشاركة وتنظمها وتوجهها نحو
تحقيق وأحداث التغيير الاجتماعي المطلوب بقصد نقل المجتمع الحضري من وضع
اجتماعي معين إلى وضع أفضل منه ورفع وتنسيق مستوى معيشة الناس اقتصاديا
واجتماعيا .(5)
ويعرف "حسين عبد الحميد رشوان "التنمية الحضرية" أنها عملية نشاه
المجتمعات الحضرية ونموها ،وتطوير المجتمعات الريفية إلى حضرية ، والتغير
الموجة الذى يعترى المدينة ،من حيث ازدياد الكثافة السكانية ،والاشتغال
بإعمال غير زراعية وبدرجه عالية من التقسيم العمل والتعقيد الاجتماعي ،
وفى ضوء الضبط الذى لا يستند على أسس قرابية ،وكذلك تجديد وإقامة المباني
،والتغير الجوهري في استخدام الأرض .(6)
عوامل التنمية الحضرية
صنف جون ديكي المتغيرات التي تؤدى إلى التنمية الحضرية إلى أربعة عناصر رئيسية :
1:_ الإنسان والجماعات .
2:_ البيئة الطبيعة .
3:_ البيئة التي صنعها الإنسان .
4._ النشاطات (7)
إن هذه المتغيرات لعبت دورا رئيسيا في أحدث التنمية الحضرية .
وبالإضافة إلى ذلك تعود التنمية الحضرية ، ونمو المدن إلى تقدم الاختراعات
الكفاءة المتزايدة في تكنولوجيا النقل والموصلات والمعرفة الكاملة بوسائل
الإمداد بالمياه والهواء والأرض والمصادر الطبيعية التي تحتاج إليها
التنمية الحضرية , وكذلك التخصص والتكامل بين المناطق الريفية والحضرية ،
حيث تعتمد المدن اعتماد كبير على التجارة كما إن النمو السكاني الذي صاحب
الثورة الصناعية من العوامل الهامة في التنمية الحضرية .
فتكنولوجيا الصحة والعلاج أدت إلى انخفاض نسبة الوفيات وينتج عن ذلك النمو
السكاني زيادة قوة العمل ويضاف إلى ذلك متغيرات تضم المهنة السائدة
,وتقسيم العمل إذا تنمو المدن نتيجة ظهور إعمال ومهنة جديدة تتراكم فوق
الأعمال التقليدية ومع زيادة نمو المدن تزداد المشاكل الاجتماعية التي
تحتاج إلى مزيد من السلع والخدمات مما يؤدى إلى زيادة الكفاءة الاقتصادية
(
.
الاتجاهات النظرية المفسرة لعملية التنمية الحضرية
لأريب إن تاريخ الظاهرة يشكل جزا لايتجزا من كيانها الحاضر ومؤشر لما
ستكون عليه في المستقبل ،كما إن هذا التاريخ يكون بعدا معرفيا له قيمته
وإسهامه البارز في التفسير والتحليل والتنبؤ والتخطيط ومن خلال هذه
الحقيقة سوف نقوم باستعراض الاتجاهات النظرية التي حاولت تفسير التنمية
الحضرية فيما يلي :
أولا : الاتجاه الثنائي :
اهتم علماء الاجتماع بالفروق
الملحوظة والقائمة بين المدينة والريف كما بذلوا جهودا علمية متباينة لوضع
نظريات حول هذه الفروق وأدرك الفلاسفة في العصور القديمة أيضا إن المدينة
تختلف اختلافا كبيرا في أوجه النشاط الاقتصادي عن الريف المحيط بها ولكن
الجهود الحقيقية والمنظمة التي بذلت لوصف وتفسير هذه الاختلافات جاءت
متأخرة حيث لا نستطيع آن نعين بداية حقيقية لها ألا في عصر المفكر العربي
ابن خلدون في القرن الرابع عشر فقد كتب فصولا منظمة في التميز بين البدو
والحضر ولقد ارجع ابن خلدون الفروق في مصادر الإنتاج والمهنة ، فكتب في
الفصول الأول من الباب الثاني (اعلم إن اختلاف الأجيال في أحوالهم أنما هو
باختلاف نحلتهم من المعاش ,فان اجتماعهم أنما هو للتعاون على تحصيله
والابتداء بما هو ضروري منه وتنشيط قبل الحاجى والكمالي ،فمنهم من يستعمل
الفلح من ألغراسة والزراعة ومنهم من ينتحل القيام على الحيوان ،فكان
اختصاص هؤلا بالبدو أمرا ضروريا لهم وكان حينئذ اجتماعهم وتعاونهم في
حاجتهم ومعاشهم وعمرانهم (9) من القوت وآلكن والدفء أنما هو بالمقدار الذي
يحفظ الحياة ، ثم اتسعت أحوال هؤلا المنتحلين للمعاش وحصل لهم ما فوق
الحاجة من الغنى والرفه دعاهم ذلك إلي السكون ، وتعاونوا في الزائد عن
الضرورة واستكثروا من الأقوات والملابس والتأنق فيها ,وتوسعة البيوت
واختطاط المدن والأمطار للتحضر)
ويتضح من ذلك أن ابن خلدون يصنف أشكال الاستيطان البشري ألي نموذجين وجوه المعاش والكسب(10 ) .
وبالإضافة إلي هذا المنطلق تأتي الثنائية التي تحدث عنها علماء الاجتماع وسنرد فيما يلي بعض هذه الثنائيات :
1 – تصنيف ( فردناندتونيز ) الكلاسيكي الشهير والذي يمثل احد قطبية
المجتمع الأولى الذي تسوده العلاقات الأولية والقرابية بينما يمثل القطب
الأخر المجتمع الذي تشيع فيه العلاقات الثانوية والتعاقدية .
2 – ثنائية (دوركايم ) الشهيرة التي تقابل بين نوعين من المجتمعات وفقا
لشكل التضامن الاجتماعي، اولهما يقوم على التضامن الآلي بينما يقوم الثاني
على التضامن العضوي .
قدم دوركايم نظرته إلي العلاقات الاجتماعية في المجتمعين فقال أن المجتمع
الريفي أو الجماعة المشابهة له تتسم بعلاقة تماسك ميكانبكيه حيث يتعامل
أفراد المجتمع تلقائيا ويستجيبون لبعضهم ميكانيكيا ، كما أن هناك على
الطرف الأخر علاقات ذات طابع عضوي تعتمد على تبادل المنفعة في استجاباتها
وتماسكها .
3 – يفرق ( ماكس فيبر ) بين النماذج التقليدية والنماذج العقلية .
4 - يميز ( هواردبيكر ) بين النموذج المقدس والنموذج العلماني حيث قدم
مصطلحيه هذين ليقصد بالأول تلك المجتمعات ذات الثقافات بطيئة التغير
المنعزلة (الريفية)ويقصد بالثاني تلك المجتمعات ذات الثقافات سريعة التغير
المتصلة بغيرها من الثقافات (الحضرية) .
5 – أما( روبرت رد فيلد ) فيميز بين المجتمع الشعبي والمجتمع الحضاري
ويرتكز مفهوم المجتمع الشعبي على المشاعر الجمعية الأولية التي تميز
الثقافة الشعبية في مقابل المشاعر الفردية التي تسم المجتمع الحضاري أو
المدينة .
6 – عرض ( تشارلز كولي ) لاصطلاحيه على الجماعة الأولية التي تتصف بسيادة
علاقة الوجه بالوجه ،مقابل الجماعة الثانوية التي تتميز بالعلاقات بين
أفراد الجماعة وتدعو ألي تماسكهم وتعاونهم ومراعاتهم لثقافتهم وهي ما تتسم
به الحياة الريفية .
7 – يضع (سوركن ) نموذجه المشهور الذي يقابل بين العائلية والتعاقدية كما
يضيف إلي ذلك نمطا من أنماط العلاقات بين الجماعات وهو التفاعل الإجباري
(11)
ثانيا : الاتجاه التاريخي :
يصور الاتجاه التاريخي تطور أشكال
المجتمعات المحلية الحضرية الأولى ويهتم هذا الاتجاه كذلك بدراسة تحول
المناطق الريفية إلي مناطق حضرية ,ويتناول التطور والانتشار الثقافي
الحضاري .
ويتمثل هذا الاتجاه في كتابات كل من جراس وكريستالر ولوتش واولمان فقد
ناقش هؤلا العلماء الجذور التاريخية للمناطق الحضرية وطبيعتها وتنوعها
وخصائصها وكان من اشهر محاولات الاتجاه التاريخي تلك التي قدمها (جور دن
تشيلد )حيث نجده يحدد بعض ملامح ما أطلق عليه (الثورة الحضرية المبكرة )
ومن بين هذه الملامح الاستيطان الدائم في صورة تجمعات كثيفة ، وبداية
العمل بالنشاطات غير الزراعية ، وفرض الضرائب ،وتراكم رؤس الأموال ،
وإقامة المباني الضخمة ، وتطور فنون الكتابة وتعلم مبادي الحساب والهندسة
والفلك ، واكتساب القدرة على التعبير الفني ، ونمو التجارة .
وتناول فوستيل دي كولا نج تاريخ المدينة العتيقة وأرجعها إلي نفوذ الدين
الحضري وعرض لويس ممفورد المدينة من وجه النظر التاريخية ،وألقى الضوء على
نموها وكبر حجمها وأشار إلي أنها تمر بمراحل ونماذج معينة هي (مرحلة النشا
ه ،مرحلة المدينة ،مرحلة المدينة الكبيرة ،مرحلة المدينة العظمى ،مرحلة
المدينة التيرانوبوليس ،مرحلة المدينة النيكروبولويس ) (12) .
(( وقد حدد بوسكوف الموجات الحضرية التي تعرض لها العالم عبر التاريخ ألي مايلي :
1 – الموجة الحضرية الأولى من سنة 450 قبل الميلاد إلي سنة 500 بعد
الميلاد ،وهي الفترة الكلاسيكية للتحضر حيث ظهرت فيها المدن الأولى حول
مجاري الأنهار وأوديتها الخصبة .
2 – الموجة الحضرية الثانية من سنة 1000الي سنة 1800م و قد تزامنت هذه
الموجه مع ما عرف في أوروبا بالعصر المظلم وقد ظهرت هذه المن لتؤدي وظائف
تجارية أو دينية .
3 – الموجة الحضرية الثالثة من سنة 1800م إلي الوقت الحاضر وقد ارتبطت هذه
الموجة بالنمو الصناعي المكثف الذي اثر في نمو المراكز الحضرية وساعد على
اتساع نطاقها مما أدى بالكثير من المدن ألي أن تخرج عن نطاق وظائفها
المرسومة لها وجعلها تعاني من الكثير من المشاكل .
أما ايريك لا مبارد فقد ميز بين أربعة أشكال من أشكال التحضر التي مر بها العالم وهي :
1- التحضر البدائي :وتحدث فيه عن محاولات عديدة من قبل الإنسان ساكن
المركز العمراني بصفة عامة لإحداث التكيف مع البيئتين الفيزيقية
والاجتماعية .
2 – التحضر المميز : ويبدأ في هذا الشكل من أشكال التحضر ظهور المدن
وتتحدد وظائفها وتستبين خصائصها وتبرز مشكلاتها وهذا النوع من التحضر كان
واضحا بالنسبة لمناطق مصر والعراق .
3 – التحضر الكلاسيكي : وتظهر فيه قيود عديدة حول نمو المدن وسكانها ويتسم
هذا الشكل بالتمركز ألعاصمي وظهور الدول المدينة مثل أثينا وروما وهو يمثل
بداية الاستقرار الحضري الحقيقي .
4 – التحضر الصناعي : وهو المرحلة الأخيرة من التحضر التي بدأت تتضح
ملامحها مع بدايات القرن العشرين حيث بدا سيل الهجرة من الريف إلي المدن
أملا في الحصول على فرص عمل أفضل وتحقيق مستوى معيشي أحسن)) (13) .
ثالثا الاتجاه الاقتصادي:
تمثل الحضرية وفقا لهذا التصور ،
مرحلة متقدمة من مراحل التطور الاقتصادي البشري ، وبالتالي ارتبط التحضر
والنمو الحضري بحركة انتقال وتحول إلي تنظيمات اقتصادية أكثر تعقيدا ، أو
بمعنى ابسط انتقال من حالة تقوم فيها الحياة الاجتماعية على أساس العمل
اوالانتاج الأولى كالصيد والزراعة ،إلي حالة تقوم فيها الحياة على أساس
العمل الصناعي والإداري والتجاري والخدمات ،أو هي بعبارة ثالثة حالة
الانتقال من اقتصاد المعيشة إلي اقتصاد السوق ، والواقع لقد ترجم هذا
التصور في صياغات وعبارات مختلفة ، أكدت كلها الاتجاه الذي غلب على معظم
الدراسات الحضرية الغربية ، والأمريكية بصفة خاصة ، والتي اهتمت بدراسة
الاقتصاد المتروبوليتي وأكدت الارتباط بين عمليتي التصنيع والتحضر .
ولعل من أهم الأمثلة البارزة في هذا المجال ، دراسة جراس في محاولته
استعراض التاريخ الاقتصادي للحضارة الغربية سنة 1932م لقد أوضح جراس في
مدخله التطوري ، علاقة التطور الاقتصادي بأنماط التوطن والاستقرار البشري
على مر التاريخ ، كما ربط طرق ووسائل العيش بالتطورات التكنولوجية من
ناحية ، وبتطور أشكال الاستيطان البشري من ناحية أخرى وفي تاريخه للحضارة
الغربية في حدود إطار تصنيفي متصل ميز جراس خمس مراحل تطورية أساسية هي :
مرحلة اقتصاد الجمع والالتقاط ، فمرحلة اقتصاد الرعي ، يليها مرحلة اقتصاد
القرية المستقرة ، ثم مرحلة اقتصاد المدينة الصغرى ، وأخيرا مرحلة
الاقتصاد المتروبوليتي .
ولقد كان تطور الزراعة كأسلوب أو طريقة للمعيشة أهم العوامل التي أدت إلي
دخول البشرية في مرحلة أكثر تقدما على طريق التحضر ويتوالى هذا التطور في
نظر جراس لتنمو المدن الصغرى نتيجة تزايد الإنتاج الزراعي وتزايد إعداد
الحرفيين وتطوير وسائل النقل وازدهار النشاط التجاري ، وكان ظهور
المتروبوليس بعد ذلك نتيجة لازمة لارتباط التغيرات التكنولوجية والتنظيمية
المصاحبة لانتشار التصنيع وسيطرة الاقتصاد المتروبوليتي(14) .
رابعا الاتجاه الديموغرافي :
اهتم بعض العلماء بالاتجاه الديموغرافي أو السكاني ،واعتبروا أن حجم
السكان وكثافتهم وتوزيع الجنسين والتركيب السلالي ،وانماط المواليد
والوفيات والهجرة ذات أهمية كبرى في عملية التحضر والنمو الحضري ،فقد لاحظ
بعض الباحثين أن النمو السكاني الذي طرا على المدينة كان أعلى بكثير من
ذلك الذي طرا على السكان بوجه عام ،ووفقا لما هو حضري "أنما يشير إلي
تجمعات سكانية من حجم معين ،آو إلي نسبة هولاء إلي إجمالي عدد السكان
ويعود هذا إلي أن المجتمع الصناعي الحديث أدى إلي انخفاض ملحوظ في نسبة
الوفيات في الوقت الذي لم تسجل فيه نسب المواليد مثل هذا النقص والنتيجة
الحتمية لذلك زيادة كبيرة لعدد السكان ،هذا بالإضافة إلي عامل الهجرة إلي
المدن .
فالهيكل السكاني لأي مجتمع من المجتمعات يفيد في التعرف على حجم السكان
وتوزيعهم وخصائصهم فيمكن التعرف على الحجم من خلال معدلات الزيادة
الطبيعية (الفرق بين معدل المواليد ومعدل الوفيات في فترة محدده) ومعدلات
الزيادة الغير طبيعية (الفرق بين معدل الهجرة إلي مكان ومن مكان ) أما
التوزيع السكاني فيمكن إدراكه من خلال الكثافة السكانية (نسبة السكان إلي
المساحة المأهولة بالكيلومتر المربع فضلا عن تجمعهم طبقا لتوزيع الموارد
الطبيعية ،وتوافر فرص العمل ...الخ كما أن للهجرة دورا حيويا أخر فوق
دورها في تحديد الحجم السكاني .
أما الخصائص السكانية فيمكن تحديدها في تركيب السكان من حيث النوع والجنس
والعمر والحالة الزوجية والحالة التعليمية والحالة المهنية ومتوسط الدخل
...الخ فهي تؤكد نوعية السكان طبقا لمجموعة من المتغيرات التي يختلف
حيالها السكان ويتباينون ،وتساعد هذه المتغيرات على تحديد البناء
الاجتماعي لهؤلاء السكان وذلك من خلال التركيب الطبقي الذي ينتمون إليه.
كما إن الخصائص السكانية مثل معدلات المواليد والوفيات والزيادة والكثافة
وحركة السكان الداخلية والخارجية والخصائص العرقية والثقافية تزود الباحث
بمعلومات قيمه تساعد على ربط حاجات الإعداد المتزايدة من السكان بالخطط
ألمشروعه المتصلة بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية واستثمار هذه الموارد
والكفاءات البشرية والقوى ألعامله(15) .
خامسا الاتجاه النموذجي :
ينظر إلي التحليل النموذجي باعتباره
نهجا قائما بذاته ويتوصل إليه الباحث عن طريق تحديد الخصائص الملازمة
لموضوع أو ظاهرة معينة ، والوصول بها إلي نهايتها المنطقية وصورتها
الكاملة بغض النظر عن أمكان تتبعها في الواقع أو وجودها بصورتها المنطقية
هذه في مكان ما ولهذا من الصعب إن نلتمس واقعا تجريبا لهذه الخصائص أراد
ماكس فيبر في مؤلفه المدينة أن يكشف نموذجا من التاريخ وان يقف على
الطبيعة الخاصة للظاهرة الاجتماعية الحضرية .
ولقد قبل الفكرة الشائعة في وقته والتي مؤداها إن المدينة هي منطقة مزدحمة
بالسكان حيث لا يعرف الناس كلا منهم الأخر على خلاف ما يحدث في ألاماكن
الأصغر ، ولكنه تفوق على غيره من السوسيولوجين بنظريته عن المجتمع المحلي
الحضري ولم يكن المجتمع المحلي الحضري عند فيبر مجرد جمع أو تجمعات
للنشاطات الإنسانية ، ولكنه عبارة عن نمط واضح محدد المعالم من أنماط
الحياة الإنسانية ولكن إن تظهر المدينة بهذا المعنى فقط تحت شروط خاصة
،وفي مرحلة معينة من مراحل التاريخ .
ولقد توفرت هذه الشروط في أوروبا في مدينة ما قبل الصناعة وان فيبر قد
اثبت إن هذه الشروط لم تكن موجودة في كل أنحاء أوروبا ، وينبغي تحديد
الوقت الحقيقي لظهور المدن على نحو دقيق (16) .
سادسا الاتجاه الايكولوجي:
ويقصد به التفاعل بين الإنسان وبيئته
الاجتماعية وتتبلور مفاهيم وأفكار هذا الاتجاه في الرأي القائل بان جوهر
المدينة هو في تركيز عدد كبير من الأشخاص في حيز صغير نسبيا وهذا يعني
بشكل أخر دراسة تأثير حجم المدينة وكثافة سكانها على بنائها وتنظيماتها
ومؤسساتها الاجتماعية .
فنمط معيشة السكان وطبيعة علاقاتهم الاجتماعية واستجاباتهم البيئية تؤدي
إلي أنواع مختلفة من السلوك والتصرفات التي تترك بصامتها على حياة المدينة
.
ومن الواضح إن انتقال الفرد أو الجماعات من القرية إلي المدينة يؤثر في
سلوكهم وبالتالي في طبيعة العلاقات الاجتماعية المترتبة على هذا التغير
المكاني وهكذا يصبح الاتجاه الايكولوجي في علم الاجتماع عبارة عن محاولات
لفهم التغيرات والتنظيمات الاجتماعية التي تطرأ على منطقة ما نتيجة تفاعل
السكان مع بيئتها (17)
سابعا الاتجاه السيكولوجي :
لجا الكثير من علماء الاجتماع إلي تفسير المجتمع في ضوء علم النفس
الاجتماعي وذلك بتركيز على ألذات واتجاهات الفرد وعواطفه ودوره في العقل
الاجتماعي .
ويرمي الاتجاه السيكولوجي في مجال التنمية الحضرية ألي اكتشاف الضغوط
السيكولوجية ومواقف الأفراد في محاولة لفهم الظروف الإنسانية المعقدة في
المناطق الحضرية على وجه الخصوص ويعتبر ماكس فيبر من أنصار هذا الاتجاه ،
فقد عرف المدينة بأنها ذلك الشكل الاجتماعي الذي يسمح بظهور أعلى درجات
الفردية والتفرد .
وميز جورج زيمل في مقال له بعنوان (المدينة والحياة العقلية ) بين نموذجين
من المجتمعات على أساس العلاقات السيكولوجية في كل منها ففي المجتمع الأول
ينخرط الفرد في جماعته الصغيرة انخراطا تاما ، وفي المجتمع الثاني يحتفظ
الفرد بذاتيته وفرديته في وجه القوى الاجتماعية الهائلة .
وكان زيمل على يقين بان سأكني الحضر في حاجة ماسة إلي مزيد من الدقة
والتوقيت ليتمكنوا من الوفاء بالتزاماتهم وسط هذه الشبكة المعقدة للوظائف
الحضرية ، وان من أهم نتائج هذا التعقيد تطوير اقتصاد السوق وسيطرة
العقلانية والعلاقات اللاشخصية ، وهذا ينعكس بدوره على شخصية الحضري .
فالإنسان في المدينة يشعر انه يعيش في حالة ضياع نظرا لتعدد جوانب الحياة
فيها ،هذه الحالة النفسية هي التي تجعل الناس يبتعدون عن الاستجابة
العاطفية نتيجة لتعقد الحياة الحضرية الأمر الذي تصبح معه العلاقات بين
الإنسان وأقرانه وبينه وبين البيئة عموما علاقات جزئية .
ويؤخذ على هذا الاتجاه انه في تحليله للظواهر الاجتماعية يرجعها إلي ظواهر
نفسية من صنع الأفراد وبالتالي فالمجتمع ليس له وجود ، والحق انه تحدث في
المجتمع أمور لا يصح إن ننسبها إلي أفراد معينين ، وذلك لأنها تنشا من
علاقات الأفراد في حالة الاجتماع وتبادل وجهات نظرهم وتفاعل أفكارهم
واحتكاك مشاعرهم وتوحد موقفهم ، هذا بالاظافة إلي ما يحيط بهم من ظروف
طبيعية وبيئية وتاريخية تصهرهم جميعا في بوتقة جمعية وتؤدي إلي ظهور عقل
جديد للجامعة يوجهها ويرشدها وهذا العقل مستقل عن الأفراد(18) .
ثامنا : الاتجاه التنظيمي :
لا يقتصر التحضر والنمو الحضري في
هذا الاتجاه على مجرد زيادة عدد السكان وارتفاع كثافتهم ، أو على تطوير
نسق اقتصادي تدعمه تكنولوجيا صناعية متقدمة وإنما يعني في الأساس الاتجاه
إلي تنظيمات اجتماعية أكثر تعقيدا ، يشتمل ذلك على تطوير وسائل الاتصال
والميكانزمات الاجتماعية والسياسية التي تسمح بإمكانية الربط والتنسيق بين
مجالات وكيانات متخصصة ومتمايزة ، بعبارة أخرى ، فان النمو الحضري هو
انتقال من المجتمع البسيط إلي صورة أكثر تعقيدا كما إن التحضر معناه تراكم
التطور والتعقد النظامي بنفس الدرجة وفي نفس الاتجاه الذي سارت فيه
التطورات التكنولوجية .
ويشمل ذلك التقيد النظامي تاريخيا على تطوير الحكومات المركزية القوية
وتطوير الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية وانتشار الإشكال المختلف
للتنظيمات الرسمية والغير رسمية كالنقابات واتحادات العمال وروابط أصحاب
العمل ، إلي جانب تطوير عدد من التنظيمات الاجتماعية لتقابل الاحتياجات
المتزايدة لنظام اقتصادي واجتماعي معقد ، فضلا عن تلك التغيرات التي لحقت
بناء ووظائف وحدات التنظيم القائمة بالفعل ، كالأسرة والمدرسة والمؤسسات
الدينية وأنساق المكانة والتدرج الطبقي وبناء القوة .
والواقع إن هناك قدرا متراكما من التراث الذي يدور حول ما ارتبط بظهور
المدن والنمو الحضري بوجه عام من مظاهر للتغير في هذا الجانب ، ويكاد يكون
القاسم المشترك الأعظم في عناصر هذا التراث ذلك التأكيد على البيروقراطية
والتدرج الطبقي الاجتماعي وانتشار الروابط الطوعية كأهم ما يمكن إن تقاس
به درجات التحضر والنمو الحضري من مقاييس أو مؤشرات (19) .
تاسعا : الاتجاه السياسي والإداري:
ينظر كثير من دارسي علم
الاجتماع الحضري إلي المدينة من منظور سياسي إداري وذلك لكون بعدها
السياسي محددا بكونها مركزا إداريا وقد يكون دورها السياسي لكونها مركزا
للحكم تتمركز فيها إدارات الحكم المختلفة ، وقد لأتكون المدينة هنا هي
العاصمة السياسية وإنما كل مدينة لها تأثير على المنطقة المحيطة بها .
ومن الطبيعي إن تتواكب ظاهرة الحضرية مع نمو الوظيفة السياسية للمدينة ،
فهذه الوظيفة تمثل في كثير من الأحيان ركنا أصيلا يمثل السبب الأصلي لنشأة
المدينة كما انه يعمل على نموها وتطورها فضلا عن انه يحول في الغالب دون
محاولة زحزحتها من موقعها .
وإذا أردنا إن نقدم تحليلا لكيفية ارتباط البعد السياسي بنشأة المدينة فمن
اليسير إن نكشف إن نمو معظم الاتجاهات السياسية والقوى المحركة لها مسالة
لاتتم إلا في المدينة ، كما إن التنظيمات السياسية بمختلف إشكالها وصورها
لا تنشا سوى في المدينة ، فضلا عن الممارسة السياسية ذاتها حيث تتخذ من
المدينة ميدانا ومجالا رحبا تصول وتجول فيه .
إما النتائج التي تترتب على اعتمادية المدينة أحيانا على البعد السياسي
فهو يأتي من كون المدينة عاصمة للدولة أو الإقليم أو المقاطعة حيث تكون
الوظيفة السياسية هي البعد الحيوي للمدينة العاصمة ، وهي ظاهرة تتضح بشكل
كبير في دول العالم الثالث ، أما البعد الإداري فهو شديد الارتباط بالجانب
السياسي فالتقسيم السياسي يرتكز على دعامة تتمثل في خضوع المنطقة حضرية
كانت أم ريفية للادراة المحلية وتكون محددة بنطاق إداري تصطلح عليه الدولة
(20) .
التركيز الحضري وخصائص الحضرية :
تتركز الحياة في عصرنا الراهن
في المدن ، وبينما يتزايد عدد السكان فيها يقل تدريجيا في الريف .... كما
يلاحظ إن حياة الريف بدأت تتأثر بحضارة المدينة وتنقل عنها بعض خصائصها
حتى أصبح يخشى ألان زوال الظاهرة الريفية بتعاقب الزمن
ويرجع ذلك إلي عاملين هامين :
1 – اتساع حركة التصنيع الأمر الذي يؤدي إلي هجرة كثير من القرويين من
الريف إلي المصانع في المدن وبذلك تقل الأيدي العاملة في القرى وبالعكس في
المدن .
2 – المدينة لها خاصية الجذب بما فيها من مظاهر العظمة والترفية وفرص
العمل مما يدعو الكثيرين إلى التمسك بحياة المدينة وهجر الريف الذى أصبح
لأ يطاق من وجهة نظر البعض ثم لأننسى إن المدينة الآن اتجهت إلى اصلأح
الريف وتزويده بالإمكانيات الواسعة التي تعجله يتجه تدريجيا إلى الحضرية .
وتدل الإحصاءات العالمية المتعددة على إن السكان بداوا يتركزون في المناطق
الحضرية دون الريفية ,فالأولى بدا نطاقها يتسع والثانية بدا نطاقها يضيق
حتى انه يمكن القول انه من الجائز إن يندثر الريف بحياته الريفية ,وتصبح
الحياة كلها في المستقبل حياة حضرية ,الأمر الذى قد ينشأ عنة مشاكل لابد
من دراستها حتى يمكن علاجها ، مثل مشكلة الإسكان والمواصلات والخدمات
العامة والعمالة والصحة والوقاية من الجريمة والانحراف وغيرها .
والحضرية وان كانت تحمل بين طياتها الإشارة إلى انبثاقها من المدن إلا
أنها في الوقع مجرد طريقة في السلوك وحسب ، اي سلوك له طريقته الخاصة
وسماته التي تميزه عن غيرة ...وهى ليست تعبيرا مقصورا على الحياة في المدن
فقد نجد إنسانا متحضرا وسلوكه الكلى حضري بينما في الريف ونجد أخر يحيا في
أكثر إحياء المدن تحضرا وهو مع لا يزال قرويا في تفكيره وطريقة معيشته بل
وفى سلوكه ,فالمسألة إذن مسألة سلوك وليست مسألة مظهر .
وتتميز الحضرية بالتغير السريع سواء من حيث الحركة السكانية أو من حيث
التغير في النظم الاجتماعية أو الاقتصادية أو من حيث التغير في القيم
والعادات والتقاليد والنظرة إلى الحياة ,واهم خصائص الحضرية ما يلي :
1 _ الحضرية تتناسب طرديا مع عدد السكان بحيث كلما ازداد عدد السكن في مدينة ارتفعت فيها نسبة الحضرية ارتفاعها ملحوظا .
2 _ المهاجرون من الريف للمدينة يحتفظون بالرواسب الريفية، وأثارها تظل
عالقة بسلوكهم أول الأمر ثم يتحررون منها تدريجيا حتى تختفي في الجيل
الثالث وما بعدة فلا بد إذن من المرور على مراحل مختلفة متعددة حتى ينتقل
السكان من الريفية إلى الحضرية .
3 _إن أهم سمة للحضرية هي شكل العلاقات التي تقوم بين الناس ونوع العمل الذى يقومون به والتخصص وتقسيم العمل ومدى اتساع نطاقة .
وليست المسألة في الحضرية مسألة عدد, فقد تجد قرية من القرى يزداد عدد
سكانها زيادة كبيرة جدا ,وقد تجد أخرى عدد سكانها قليل ,فالعبرة ليست بعدد
السكان ولكن بنوع العلاقات الإنسانية التي تميز الحياة الحضرية عن الريفية
.
4 _ إن انتشار الصناعية في اغلب المجتمعات يميل إلى خلق مراكز صناعية
مستقلة تصبح مدنا بعد حين , ولهذا فالحياة الحضرية الخالصة تختلط بالحياة
الاجتماعية المتأثرة بالتصنيع حتى انه يصعب التمييز بينهما .
5 _ إن الحياة الريفية وما فيها من روح الجماعة وشدة تماسك أعضائها
وتعاونهم تجعل من الجماعة فردا أو من الفرد جماعة , حتى أن الأشياء
الجميلة أو الخطأ الذي يقوم به فرد تتحمل مسؤولية الجماعة والعكس فان ما
تقوم به الجماعة قد يقع على عاتق فرد واحد ,وعكس هذا يحدث في المدينة ,فكل
فرد مسئول عن نفسه فقط إن قام بشيء حسن أو اخطأ فلأيشاركة في هذا سواء .
وقد أسلفنا القول بأن الحياة الحضرية تتسم بالا ستقلل إلى حد لا يقتصر على الحياة الاجتماعية وحدها وإنما إلى المسؤولية وتحملها .
6 _ إن المدينة تحدد نوع العمل الذى يقوم به الفرد ,فكل فرد يتخصص في نوع
معين من العمل حتى يمكن القول بأن هناك مطابقة للتقسيم المهني والترتيب
الطبقي ,وهذا راجع إلى كثرة عدد السكان في المدينة .
7 _ الحياة الحضرية أوسع نطاقا من الريفية ففي الأولى يكون الشخص حرا في
نوع تعليمة وحر فتة وسكتة وطريقة حياته الخاصة والعامة بينما في الريف نجد
الظروف العائلية تفرض على الشخص كثيرا من أنماط السلوك يضطر إلى تنفيذها
بحذافيرها، فهو ليس حرا على الإطلاق ولكنة مقيد بقيود العادات والتقاليد
التي تخضع لها قريته ...وهو لا يستطيع إن ياتى بجديد أو يقوم بالتعبير
الخلاق فهو يدور في إطار ضيق محدد تمام بعكس الحياة الحضرية ففيها التجديد
والخلق ولإبداع لذا فهي
_أي الحضرية _ديناميكية وليست استاتيكية .
8 _ تمتاز الحياة الحضرية بالتكيف السريع ,فالفرد الجامد الذى لا يستطيع
التكيف سرعان ما يتخلف بل يتنبأ له الباحثون بالمرضى النفسي ,ولكن الفرد
المتكيف المتفاعل هو الذى يمكنه البقاء في المدينة ,فالتكيف السريع شرط
أساسي للحياة الحضرية الناجحة .
9 _ الحياة الحضرية تمتاز عن الريفية بأنها مرنة غير جامدة فيها التغير
السريع ,وفيها التنقل لايحدهما جمود الريف , وعلاقات الناس فيها تتسم
بالمرونة والقابلية للتغير والتكيف للمواقف المختلفة التي قد تكون نتيجة
لتغير المراكز والأدوار التي يقوم بها كل منهم ...وعلى هذا فالطبقات في
المدينة مفتوحة ويمكن القول بأن الحياة الحضرية تمتاز بالدينامكية .
هذه بعض خصائص الحياة الحضرية أوجزناها في النقاط التسع السابقة ومع هذا فالحياة الحضرية أوسع من أن تحدد سماتها(21) .
أهداف استراتيجية التنمية الحضرية :
1 – تنمية المناطق الحضرية مثل تحديث وسائل النقل والمواصلات وإصلاح وصيانة الطرق داخل المدن والأحياء ،وشبكات المياه والكهرباء .
2 – تنمية وتحديث الريف وخلق قوى جذب في القرى.
3 – توطين الصناعات في المدن الصغيرة والضواحي السكنية لخلق مراكز جذب للإفراد.
4 – إتباع سياسة للتغلب على الزيادة السكانية وتوجيه النمو الحضري إلي المدن الصغرى والقرى.
5 – الاهتمام بالتخطيط العمراني للمدن بأسلوب يناسب المتطلبات الحالية والمستقبلية ,
6 – الاتجاه نحو بناء المدن الجديدة وبأسلوب تخطيطي سليم سواء التابعة
منها او المستقلة كمراكز جذب للإفراد سواء للعمل آو الإقامة(22) .
تعليق وتعقيب :
وفى ضوء التعريفات السابقة للتنمية الحضرية يمكننا إن نحدد أهم عناصر المفهوم بما يلي :
1:_ التنمية الحضرية عملية موجهة إلى الإنسان باعتباره العنصر الفعال في التطوير المجتمع .
2:_ التنمية الحضرية تستهدف رفع مستوى دخول الافرد من خلال المشروعات الاقتصادية .
3:_التنمية الحضرية عمليه إرادية وموجهة .
4:_ أنها العملية التي عن طريقها تحدث التغيرات الاجتماعية المقصودة في
البشر وبالتالي يكتسبون القدرات والقيم التي تساعدهم على مواجهة ما
يصادفهم من مشكلات بحيث يستطيعون ، أحداث التغيرات في البيئة التي يعشون
فيها .
وهكذا فأن التنمية الحضرية هي تنمية واسعة تتناول كافة القطاعات والجوانب الاجتماعية الاقتصادية والصحية.
أما عن الاتجاهات النظرية يتضح لنا مدى قصور النظرة ألي التنمية الحضرية
في ضوء أي اتجاه من الاتجاهات السابقة على حدة ، ولذلك نرى انه عند محاولة
تحليل نمو التنمية الحضرية لابد إن يستوعب هذا التحليل الأبعاد الاقتصادية
والسياسية والسيكولوجية والتنظيمية والديموغرافية والايكولوجية والنموذجية
.
ولن نشير إلي إن محاولة الجمع بين الاتجاهات السابقة محاولة جديدة نبتدعها
لأول مرة ، فقد حاول بعض العلماء تفسير التحضر بالاعتماد على متغيرات
السكان والبيئة والتكنولوجيا والتنظيم .
الهوامش
1- منال طلعت محمود ، التنمية والمجتمع ، المكتب الجامعي الحديث ، 2001 ، ص ص 69 – 70
2 – حسن علي حسن ، المجتمع الريفي والحضري ، المكتب الجامعي الحديث ، 1991، ص ص 311-312
3 – حسين رشوان ، مرجع سابق ، ص 115
4 – محمد عبد الفتاح محمد ، الاتجاهات التنموية في ممارسة الخدمة الاجتماعية ، المكتب الجامعي الحديث ، 2002 ، ص186
5 – منال طلعت ، مرجع سابق ، ص 71
6 – محمد عبد الفتاح ، مرجع سابق ، ص 188
7 – حسين رشوان ، مرجع سابق ، ص24
8 – المرجع السابق ، ص ص 25 -26
9 - محمد الجوهري ، علم الاجتماع الريفي والحضري ، دار المعرفة الجامعية ، 1997 ، ص181
10 – المرجع السابق ، ص182
11 – غريب محمد السيد ، والسيد عبدالعاطي السيد ،علم الاجتماع الريفي والحضري ، دار المعرفة الجامعية ، 1988م ، ص ص 100-101
12 – حسين رشوان ،مرجع سابق ، ص ص 42 -43
13 – لوجلي صالح الزوي ،علم الاجتماع الحضري ، منشورات جامعة قار يونس، 2002 م ،ص ص92 -93
14 – السيد عبدالعاطي السيد ، علم الاجتماع الحضري ، دار المعرفة الجامعية ، السنة غير موجودة ، ص ص 105-106
15 – السيد الحسيني،المدينة :دراسة في علم الاجتماع الحضري ،دار المعارف ،ط3 ، 1985 ،ص ص143-153
16 – منصورا حمد ابوزيد ،مرجع سابق ،ص243
17 – محمد عاطف غيث ، غريب محمد السيد ، علم الاجتماع الحضري ، 1989، دار المعرفة الجامعية ، ص ص75 -76
18 – عبد الاله ابوعياش ، أزمة المدينة العربية ، وكالة المطبوعات الكويت ،ط1 1980 م ،ص ص 82 -83
19 – حسين رشوان ، مرجع سابق ، ص ص 47- 50
20 –لوجلي صالح ، مرجع سابق ، ص ص 101-102
21 - محمد عاطف غيث ، علم الاجتماع الحضري ، دار النهضة العربية ،السنة غير موجودة ، ص ص 95-98
22 – آمال رشاد السيد حسن،التنمية والمدن الجديدة ،رسالة ماجستير ،كلية الآداب ،جامعة طنطا،1993 ،ص ص134-135